الصورة الذهنية للمملكة- تحديات وحلول استراتيجية في مواجهة الإعلام الغربي

المؤلف: إبراهيم أبو ساق08.17.2025
الصورة الذهنية للمملكة- تحديات وحلول استراتيجية في مواجهة الإعلام الغربي

تتجلى أهمية الصورة الذهنية في تأثيرها العميق على الرأي العام في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث أن الصورة الذهنية الإيجابية للدولة أو المؤسسة أو الشخص تسهم في تخفيف الضغوط من قبل الرأي العام لتجاوز الصعاب ومواجهة مختلف التحديات.

إننا نؤمن إيمانا راسخا بأن من لا يمتلك صورة لا يحظى بوجود حقيقي، ومن لا يتمتع بصورة واضحة المعالم وإيجابية فهو فاقد للتأثير، بل معرض لخطر الاستغلال من قبل الآخرين. في هذا العالم الذي أصبحت فيه «الصورة» ذات تأثير فعال على مشاعر وتفكير وآراء الجمهور، أصبحت الصورة أقوى نفوذا من تصريحات رئيس أو مسؤول رفيع المستوى. تعكس صورة أي دولة ما يفهمه ويؤمن به الرأي العام في كل مكان، حتى لو كانت تلك الصورة مبنية على أيديولوجية تتعارض مع آراء الآخرين. غالبًا ما يتم ترويج صور زائفة عبر وسائل الإعلام أو تشويه الصور الحقيقية لتحقيق أهداف خفية، فالصورة الذهنية أصبحت هي الحقيقة الساطعة، وهي أيضا مصدر المصداقية لمن يفتقر إليها.

إن المتأمل في تقلبات الأحداث وتناقضاتها في العقد الأخير يدرك تمام الإدراك أن صورة المملكة العربية السعودية كانت هدفا للاستهداف منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. ومن المحزن للغاية، وخاصة في السنوات القليلة الماضية، أن نشاهد يوميا ما يثبت ذلك مرارا وتكرارا، ومن المؤسف أيضًا أننا نكتفي بردود الأفعال، بدلا من المبادرة بشكل مستمر ودائم. فمن الخطأ الفادح أن نوكل مهمة بهذا القدر من الأهمية إلى الجانب الدبلوماسي فقط، فالصورة لها تأثير كبير على القطاعات التجارية والسياحية والإعلامية والثقافية والأكاديمية وحتى العسكرية. التحدي الأكبر لا يكمن في الدول ذات القوى المركزية فحسب، بل يمتد ليشمل الدول متعددة القوى، وخاصة الغربية منها. لذلك، فإن صورتنا وتفاعلاتنا مع هذه الدول تتطلب منا أن نتعامل بمهنية فائقة مع المجتمعات الديمقراطية، ومن هنا نلاحظ أن تأثير الإعلام في هذه الدول يكون أكثر تدميرا ما لم نطور وسائل أخرى، بخلاف الدبلوماسية، للتفاعل معه.

على سبيل المثال، الموقف الأخير لبعض وسائل الإعلام البريطانية تجاه المملكة العربية السعودية، وخاصة هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، لماذا تم إغفال الجانب الذي يدافع عن صورة المملكة في الإعلام البريطاني؟ السبب واضح وبسيط للغاية، تم تجاهل هذا الجانب لأنه غير موجود من الأساس! إن اعتمادنا الكامل يقتصر على الجانب الدبلوماسي الذي لا يستطيع خوض معارك الشائعات والمزايدات الإعلامية. إذن، لماذا لا ننشئ طرفا يدافع عن المملكة، ليكون بمثابة ذراع داعم للدبلوماسية؟ وكيف يمكننا تحقيق ذلك؟

هناك دولتان لا يمكننا التهاون في الاهتمام بصورة المملكة فيهما، وهما الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، حيث تضمان أهم وأكبر المؤسسات الإعلامية التي يمتد تأثيرها إلى جميع أنحاء العالم. ففي الوقت الذي تعج فيه المؤسسات البحثية، وخاصة الجامعات ومراكز الفكر الاستراتيجي، بمراكز بحثية متخصصة في شؤون دول تسعى لتشويه صورة المملكة، مثل إيران وإسرائيل، لا يوجد مركز أبحاث أو مركز للفكر الاستراتيجي متخصص في الشؤون أو الدراسات السعودية ذا حضور إعلامي مؤثر. مثال آخر، في الجامعة التي أعمل بها، وهي جامعة لندن، يوجد عدد كبير من المراكز البحثية المتخصصة، إما في الشؤون الإيرانية، أو في الدراسات الفارسية، وإذا لم تكن في الشؤون الإسرائيلية، فهي في الدراسات اليهودية. هذه المراكز تتواصل باستمرار مع وسائل الإعلام، وتضم أكاديميين وخبراء متميزين في تعزيز ما يخدم مصالحهم والتقليل من شأن ما يعارضهم.

إن خط الدفاع الأول عن صورة أي دولة ليس الدبلوماسيين الذين يحملون الصفة الرسمية، بل الأكاديميون والخبراء الذين يتمتعون بالمصداقية والمرجعية البحثية التي لا يشكك فيها الجمهور المتلقي. إن خطوط الحماية وتعزيز أي صورة يتم بناؤها بفكر غير تقليدي لا يقتصر على مهاجمة أو انتقاد جهة إعلامية معينة أو إعلامي محدد. إن أبعاد الصورة ترسمها جميع مؤسسات المجتمع، ولكن يتم تنظيمها وتقديمها من خلال جهة أو هيئة تعمل على تطويرها وتوجيهها، وتصنع في كل نقطة تقاطع من خطوطها قبسا يضيء بعطائها، ويعبر عن مبادراتها السلمية على مستوى العالم، وكلنا نعرفها!

هل ندرك حجم الثمن الذي تدفعه وستدفعه المملكة العربية السعودية نتيجة لإهمالنا وتقاعسنا عن إنشاء إدارة أو هيئة تهتم بالعمل على بناء وإدارة صورة المملكة في الخارج؟ يجب أن نتذكر دائما أنه لا توجد صورة أبدية إلا لمن يتخلى عن تطويرها وحمايتها.

* جامعة لندن

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة